القائمة الرئيسية

الصفحات

الاستحلال.. لماذا يسطو الإرهابيون على أموال الأقباط؟

من أهم أنواع الشذوذ فى فكر الجماعات التكفيرية، هو اعتبارهم أن الحكام اليوم يستحلون ما حرم الله ويحكمون بغير ما أنزل الله، لذا يحكمون عليهم بالكفر، وهذا كذب وتضليل، جملة وتفصيلًا، إلا أننا لسنا بصدد الحديث فى هذه الحلقة عن الاستحلال الذى ينزلونه على الحكام، لكن عن الاستحلال الذى يجيزونه لأنفسهم، ومعناه بوضوح وبساطة (جواز سرقة أموال المرتدين والكفار، وسبى نسائهم وأولادهم).

أول من ابتدع نظرية استحلال الأموال هو شكرى مصطفى، وتبعه فيما بعد باقى الجماعات التكفيرية، الشوقيون والناجون من النار وغيرهما، لكن من برع فى تطبيق هذا بالفعل هم (الشوقيون) أتباع شوقى الشيخ، الذين كانوا يسرقون الناس على العموم، وكان المواطنون فى الفيوم يطلقون عليهم (حرامية المعيز).

من أهم منظرى الاستحلال فى السلفية الجهادية، القيادى الأردنى، شيخ تنظيم القاعدة، أبو قتادة، إذ أصدر فتوى بجواز سرقة الكفار فى أوروبا للهاربين والحاصلين على اللجوء السياسى هناك، وعقب أن أصدر تلك الفتوى، رد عليه منظر القاعدة السورى أبو بصير الطرطوسى فى كتاب (الاستحلال) مبيّنا مفاسد هذه الفتوى وما ألحقته من العار بالمسلمين والتّشويه لتعاليم الإسلام.

اعتبر التكفيريون أن بلاد المسلمين هى بلاد كفر، ومصنفة على أنها دار الحرب، وهى ليست دار عهد وإيمان، كما أن الغرب هو كافر، ودار حرب أيضًا، رغم أنهم لو سألوا أنفسهم (هل المسلمون الذين يعيشون هناك ملتزمون بالعهد الذى يفرض عليهم أم لا؟ وهل تنزل عليهم أحكام ديار الكفر أم لا؟) لوصلوا إلى الحقيقة.

الغريب أن كل جماعات الاستحلال تستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الذى رواه البخارى فى صحيحه، برقم (25) (117)، ورواه مسلم فى صحيحه برقم (133) (138)، أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، فإذا قالوها، فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله ، وقالوا إن مفهوم هذا الحديث أن الأصل أنه لا حرمة للكفار إن لم يسلموا، وبالتالى يكون الأصل فى أموالهم الحل، فمن قال: لا إله إلا الله، ودخل فى الإسلام، عصم ماله، وإلا بقى على أصل الإباحة!!

بالبحث والتدقيق فى هذا الحديث، وبسؤالى لأهل العلم والتخصص، فقد تبين لى أن الحديث من رواته شعبة، وأن الحديث موضوع، وأنه فى أكبر درجاته قوة أنه حديث ضعيف، والغريب أنه عمدة الأدلة لكل الجماعات الإسلاموية فى التدليل على العمليات القتالية والمسلحة.

كما يستدل التكفيريون بقصة الصحابى (أبى بصير) وهى قصة معلومة وقعت عقب صلح الحديبية، حيث إنه هرب إلى مكان آمن، وجعل يغير على قوافل قريش، التى تمر فى طريقه، وأثنى عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: مسعر حرب لو كان معه أحد، مما يبين ويؤكد أن الأصل فى أموالهم الحل، وجواز أخذها من غير رضاهم، وهذا بالطبع غير صحيح بالمرة، فأبو بصير لم يدخل فى عهد الحديبية، وفر وقعد فى الجبال، والنبى - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل لجوء أبى بصير إليه، ولم يقبل دخوله المدينة إتماما للعهد الذى أبرمه مع المشركين، فهرب من المشركين، وكون هو وأصحاب جماعة مستقلة، فصارت حالهم مع المشركين حالة حرب، وليس بينهم عهد ولا ميثاق، ففعلوا ما فعلوا من التصدى للمشركين وغنم أموالهم، وفى النهاية كيف نسوى مشركى قريش بمصريين أو جزائريين؟!!

واستدل التكفيريون بأن العهود والمواثيق التى وقع عليها المسلمون مع الدول غير الإسلامية، التى يقيم فيها هؤلاء باطلة؛ لأنها تشتمل على شروط فاسدة مخالفة للإسلام، وفق قولهم؛ لأنها تنص على وجوب احترام القوانين السائدة هناك، وعدم مخالفتها، ونحوها من الأمور المعلومة، وأن العقد الذى جرى بين المسلمين وبين الكفار إن فرض صحته، فهو من العقود الجائزة، وليس من العقود اللازمة، وعليه فلهم أن يتركوه، وأن لا يعملوا بمقتضاه، وهذا باطل بالفعل، فحتى الكافر الذى لا يؤمن بوجود الله تعالى، لو ظلمه مسلم، وبخسه شيئًا من حقه، فإن كفره لا يعفى المسلم من المسئولية، بل تبقى تبعة ذلك فى ذمة المسلم؛ حتى يقضى الله تعالى فيها يوم القيامة، قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ.. وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ، وقد ورد ما يدل على حصول الخصومة بين المسلم والكافر يوم القيامة، قال تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ـ يقول الرسول: ثم إن جميعكم، المؤمنين والكافرين، يوم القيامة عند ربكم تختصمون، فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم، ويفصل بين جميعكم بالحقّ.

إن التكفيريين وقعوا فى الاستحلال، وفى جرائم سرقة الشعوب وتكفيرهم، لأنهم فى البداية اعتبروا قضية عدم العذر بالجهل فى الشركيات والكفريات من قضايا أصول الدين، وعادوا وكفروا المخالف لهم فيها، وهذا غلو فاحش، فكفروا الناس ثم استحلوا دماءهم، وأموالهم، والغريب أن الجماعة الإسلامية المصرية، كانت تقاتل الشرطة، وتقتل أفرادها، إلا أنها فى ذات الوقت كانت لا تجيز سرقة الأموال التى تجدها مع الجنود ورجال الداخلية، وتعتبر أن ذلك حرام شرعًا، وهذا من خيبة الفهم، وسوء المنقلب، فهى تستبيح الدم، وتحرم المال، وهذا قياس غريب.

الجماعة الإسلامية المصرية كانت تنطلق فى هذا الفهم من مسألة أن الشرطة من البغاة، وأنهم طائفة ممتنعة عن الشريعة، وليس معنى ذلك أنهم مرتدون او كفار، إلا أنهم يجوز قتالهم وقتلهم، لا سرقتهم، وهذه المسألة هى من أخطر القضايا الفكرية التى وقعت فيها الجماعات المسلحة التكفيرية، وهى قتال الطائفة، وتكفير الأعوان، وهو ما سنتحدث عنه فى الحلقة المقبلة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات