علاقة مُثيرة للجدل، جمعت حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية والأقباط، بعدما بُنيت على الإستغلال والمصلحة، فعمد الحزب منذ هبوطه على الحياه السياسية إبان ثورة 25 يناير على تحريم كل ما يخص الأقباط وقتما لا يحتاج إليهم، ولم يلبث بعد فترة وجيزة إلى التقرب البّين منهم؛ لكسب تأييدهم وقت الحاجة، حتى جاءت أزمة قانون بناء الكنائس وفضحت السلفية وموقفه الحقيقي من الأقباط.
"بناء الكنائس"
يعتبر رفض أعضاء حزب النور في البرلمان قانون بناء الكنائس، أمس الثلاثاء، أمر طبيعي وموقف من حق أي تيار برلماني أن يأخذه مُجتمعًا، إلا أن السبب وراء الرفض هو من فضح منهج الدعوة السلفية ومبادئها، وبيّن صراعها وموقفها الخفي تجاه الأقباط واستغلالها لهم في وقت الحاجة فقط.
الأسباب التي استند عليها نواب الحزب بعد امتناعهم عن المشاركة في التصويت على القانون، كشفت وجههم الحقيقي، حيث زعموا أن الأقباط يحاولون تحقيق مكاسب خاصة بهم من بناء الكنائس، معلنين بشكل صريح أن مصر إسلامية وترفض توغل الأقباط عبر ذلك القانون، الأمر الذي آثار جدلًا كبيرًا أسفل القبة، واعتبره الكثيرون بمثابة خيانة من الدعوة إلى الأقباط.
"كوتة الأقباط"
على مدار عمليتي الانتخابات البرلمانية التي شهدتهما مصر بعد ثورة 25 يناير، استطاع حزب النور السلفي استغلال الأقباط من خلال تحوير فتاويه ولي عنق آيات القرآن من أجل الحصول على منفعة منهم، ففي انتخابات عام 2013، والتي عرف مجلسها باسم "برلمان الإخوان"، كانت الدعوة السلفية أول من حرم دخول الأقباط على القوائم، أو مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية.
واستند الحزب على فتوى للدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بتاريخ 21 يناير 2013، قال فيها إن موقف الدعوة هو الرفض الشديد والحاسم لكوتة المرأة والأقباط وغيرهما، وبذل كل جهد لإبطال هذه الكوتة المخالفة للشرع والدستور.
ووصل به الأمر إلى حد تكفير الأقباط في فتاوه قائلًا: "لا يجوز للمسيحي الترشح للانتخابات البرلمانية لأنها سلطة تشريعية ورقابية، لأن هذا سيمكنه من عزل رئيس الدولة ومحاسبة الحكومة، ولا يحل للكافر أن يتولاها".
وكان استغناء الحزب في تلك الفترة عن أصوات الأقباط؛ بسبب الظهير الشعبي الذي كان يستند عليه في تلك الآونة، مع وصول جماعة الإخوان للحكم، وانتشار شعارات الإسلام هو الحل في الأوساط الشعبية، قبل أن ينكشف النقاب عن حقيقة الدعوة السلفية وجماعة الإخوان ويفقد كلًا منهم شعبيته في الشارع المصري.
"النور جاب ورا"
وجاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتفضح الدعوة السلفية وذراعها السياسي، الذي لهث خلف أصوات الأقباط عبر تغيير موقفه من ترشحهم على قوائمه، بدعوى أن النص على عدم جواز تولي المرأة الولايات العامة لا ينطبق على المجالس النيابية، وأنه ليس من حق أحد أن يفرض على الحزب ترتيبًا معينًا داخل القائمة.
وقام الحزب باستغلال الأقباط، وترشيحهم مع النساء جنبًا إلى جنب مع نوابه السلفيين، قابلًا للتعديلات التي طرأت على قانون الانتخابات البرلمانية بضرورة ترشح عدد معين من الأقباط والمرأة على القوائم الانتخابية، رغم الرفض الشديد لهذه التعديلات من قبل.
وطوع برهامي فتواه ليمهد للأحزاب عملية استغلال الأقباط، فقال أن هذه المسألة بها خلاف سائغ بين العلماء المعاصرين حول توصيف المجالس النيابية، فمن يري أنها تتحقق فيها صفة الولاية فإنه يعتقد عدم جواز تمثيل الأقباط فيها، أما من يري أن هذه المجالس لا تتحقق فيها صفة الولاية فإنه لا يجد بأسًا في دخولهم فيها.
وبالفعل دفع الحزب بنحو 20 من الأقباط على قوائمه في مختلف المحافظات، وأكدت وقتها الهيئة العليا للحزب أن قوائمه ترحب بالأقباط والمرأة، وباتت مليئة به، بدعوى أنهم تحرروا من أفكارهم السابقة تجاه الأقباط.
"تهنئة الأقباط"
أما على صعيد التفكير والفتاوى المتطرفة، فتعج كتب الفكر السلفي بعشرات الفتاوى التي تهاجم الأقباط دومًا، وتظهر مدى رفض هؤلاء المتشددين لمبدأ المواطنة، إلا أنهم اتخذوا في تلك الفتاوى مبدأ: "الضرورات تبيح المحظورات"، فتتغير فتاويهم وتتبدل حسب الحاجة.
وتزعم ياسر برهامي عقب ثورة 25 يناير فتاوى تحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم، أو إلقاء التحية عليهم، بل زعم وجوب فرض الجزية عليهم حتى يسلموا، بدعوى أنه لا يجوز أن تهنئ من ليس من دينك ببطاقة تهنئة أو معايدة، ولا يجوز أيضًا أن تقبل منهم بطاقة معايدة.
إلا أن وقت حكم المعزول محمد مرسي للبلاد، تغيرت الفتوى وتم تطويعها ليظهر حكم الإسلاميين بأنه يحتوي جميع الأديان وتتحول النظرة العنصرية إلى ابتسامة صفراء، بقبول تهنئة الأقباط على موقع "أنا السلفي"، الذي أجاز تهنئة الأقباط بدعوى الحفاظ على الوطن من الفتنة والعنف.
"زيارة الكاتدرائية"
كذلك فإن التناقض والعنصرية شابا موقف الدعوة السلفية من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للكاتدرائية المرقسية بالعباسية خلال عيد الميلاد المجيد، حيث وصفتها الدعوة بـ"المصيبة"، بدعوى أنه يعطي فرصة للأقباط المطالبة ببناء كنائس أكثر، مطالبين الرئيس السيسي بما اسموه بـ"التوبة".
وكان الترحيب الجم حاضرًا وقتما زار الرئيس المعزول محمد مرسي للكنيسة، معتبرين أن الدوام على تهنئة الأقباط يدخل ضمن البر والإحسان الذي أمرنا الله به، وعبر الحزب عن تأييده للزيارة وأنه أمر مقبول، بهدف لم شمل جميع المصريين، وتحسين صورة الإسلاميين والرئيس ذي الخلفية الإسلامية المزعومة.
تعليقات
إرسال تعليق