نقلاً عن موقع الأقباط اليوم وصفحات التواصل الإجتماعي كتبت الإعلامية والكاتبة المصرية ياسمين الخطيب المقال التالي بعد تفجير الكنيستين في مصر:
جلس السلطان محمد بن قلاوون محاطا بحاشيته تحت قبة مسجد القلعة، يدّعون الإنصات إلى خطبة الجمعة، بينما استرسل الخطيب في حديثه عن السماحة في الإسلام، وفضلها في إشاعة المحبة بين الناس.. ويبدو أن خطبته الناعمة لم تلق رواجا بين صفوف المصلين، الذين بدؤوا في التململ تعبيرًا عن ضيقهم بسماحته، وربما بسماحة الإسلام أيضًا.. وفجأة اقتحم ساحة المسجد رجل عجوز، يرتعش جسده الضئيل من فرط النشوه، وهو يهتف مُبشرًا: هدموا كنيسة القلعة.. هدموا كنيسة الكفار.. الله أكبر.. الله ينصر ويساعد فهبت الجموع تهتف وراءه: الله أكبر .. الله أكبر، وخرجوا من المسجد في تظاهرة كبيرة، انضم إليها كل من علم بالأمر، وأراد أن يشارك ولو بالهتاف، ابتغاء مرضاة الله، وطمعا في عفوه يوم القيامة.. واهتزت أرض
المحروسة من صوت الهتاف الذي لم ينقطع حتى تغشاها الليل: دكوها دكا .. دكوها دكا في هذا اليوم الأسود من عام 1321 ميلاديا – 721 هجريا، دك المتطرفون من المسلمين 600 كنيسة من كنائس مصر، وحولوها إلى أكوام خربة.. 60 كنيسة رئيسية من بر الإسكندرية إلى بر أسوان، منها 11 كنيسة بالعاصمة! وأثار هذا العمل اللا إنساني غضب السلطان -في بادئ الأمر- وتوجس من استمرار الحملة الهمجية على مقدسات المسيحيين، فهدد سكان القاهرة بعقاب رادع. وقد بحثت في عدة مراجع عن ماهية هذا العقاب فلم أتوصل إلى معلومة، علمًا بأنه هدد فقط ولم يُنفذ، مما دفع بعض المسيحيين إلى تطبيق العقوبة بأيديهم، فأضرموا النيران في بيوت الأمراء بالقاهرة! هذه المرة قررت الدولة أن تطبق العقوبة فورًا. ولكنها لم تطبق العقوبة على غلاة المسلمين الذين انتهكوا الحرمات المقدسة بإحراقهم 600 كنيسة، وقررت أن تطبقها على المسيحيين الذين ثأروا لكرامتهم فأحرقوا بيوت الأمراء.. وكانت العقوبة هذا المرة معلومة.. الإعدام حرقًا! والأمانة لله، قامت الدولة بشنق عدة مسلمين أيضا، وعلقت جثثهم على أبواب القاهرة
الجنوبية، ليس عقابا لهم على إحراق الكنائس، ولكن عقاب على ذنب أكبر من ذلك بكثير، هو تجرؤهم على الدولة ولومها على تقصيرها في التنكيل بالمسيحيين! وقد أثار إعدام المسلمين الغيورين على دينهم، غضب العوام، مما اضطر السلطان إلى التضحية (حرفيا) بالمسيحيين.. كيف؟! كان مسموحا للمسيحيين خلال هذه الفترة بارتداء العمائم البيضاء مثل سائر الشعب، بعد فترات من إلزامهم بارتداء ألوان مغايرة للأبيض لتمييزهم عن المسلمين، مثل الأزرق أو الأسود (شعار الدولة العباسية) تأكيدا على أن المسيحيين أعداء، مثلهم في ذلك مثل العباسيين، فأعلن السلطان أنه يحق لأي مسلم يرى مسيحيا مرتديا عمامة بيضاء، أو ممتطيا حصانا، أن يقتله وينهبه، وعليه، عاد المسيحيون إلى ارتداء العمائم الزرقاء، وأُلزموا بامتطاء الحمير فقط، على أن يديروا وجوههم صوب ذيل الحمار، إذا مروا إلى جانب مسلم، كما أُمروا بتعليق أجراس على رقابهم عند دخول الحمامات العامة، وبالطبع مُنعوا من التعيين في الوظائف الحكومية، كما أُمر المسؤولون بطرد أي مسيحي يعمل لدى الدولة. هذه الفترة لم تكن الأسوأ في تاريخ الاضطهاد المسيحي، ففي عهد الخليفة
الحاكم، أُلزموا بتعليق صليب خشبي في رقابهم يزن حوالي 5 باوندات، كما أُلزم اليهود أيضا بتعليق دائرة خشبية بنفس الوزن، وفي عهده هُدمت كنائس كثيرة بعد نهبها وشُيدت محلها المساجد، وهو صاحب القرار الأشد قسوة وظلما في تاريخ الاضطهاد الديني بمصر، بنفي المسيحيين واليهود إلى اليونان، مما اضطر الكثير منهم إلى تغيير ديانته إلى الإسلام، تمسكا بالبقاء على تراب وطنه والدفن تحته، فلا يفرقهما موت. وقد أثار هذا القرار غضب المعتدلين من المسلمين، فاحتشدت أعداد غفيرة منهم حول قصر الخليفة جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المسيحيين، لمطالبته بالعدول عن قراره الظالم، وبالفعل
رضخ الخليفة لرغبتهم وتراجع عن قراره.. وبقي المسيحيون إلى اليوم على أرض مصر بفضل نضالهم الطاهر من أجل هويتهم، وبمساعدة إخوانهم المسلمين المعتدلين. لماذا أقص عليكم الآن هذا الجزء المُخزي، المُبكي حد الانتحاب، من تاريخ الوطن؟! لأؤكد لكم أن رفع المظلومية عن إخواننا الأقباط -والتي لا ينكرها إلا متعصب حقير- لم ولن تكون إلا بمؤازرتنا، نحن جمهور المسلمين المعتدلين، والعلمانيين، والمثقفين، والفنانين، والمستنيرين على اختلاف انتماءاتنا السياسية والاجتماعية.. دافعوا عن إخوانكم، واصبروا وثابروا من أجل إعادة كرامتهم، حتى لا يسطر التاريخ : ثم جاء عصر مُنحط، كانت تُحرق فيه بيوت المسيحيين، ودكاكينهم، ويهجرون قسرًا من بلادهم، وذات يوم قام الغوغاء بتجريد سيدة مسيحية من ملابسها، والطواف بها على رؤوس الأشهاد.. ألا لعنة الله على الساكتين
تعليقات
إرسال تعليق