القائمة الرئيسية

الصفحات

امرأة متشحة بالسواد شتمت كاهناً بشتّى أنواع الشتائم… فكان هذا جوابه!!!

لبنان/ أليتيا (aleteia.org/ar) منذ حوالي الثلاث سنوات، كنت في طريقي إلى إحدى المحاكم الأمريكية كي أعطي شهادة لصالح أحد أبناء رعيتي وصديقي الذي كان عنده محاكمة. كنت أسير باتجاه مبنى المحكمة بعد أن أركنت السيارة في الجهة المقابلة من الشارع؛ طبعاً كنت في لباسي الكنسي أي القمباز والصليب.
قبل أن أصل باب المحكمة، إذا بامرأة ملتحفة بالسواد الكامل من أعلى الرأس إلى حدود أعلى الحذاء – لتبقيه ظاهراً – شديدة ” التديّن” والوقاحة تنتصب أمامي كبعلزبولي ( مؤنث بعلزبول) وتبدأ بشتمي:
يا عُبَّاد الصليب، فليبيدكم الله
يا عُبّاد الصليب، فليدمركم الله
يا عُبَّاد الصليب، يا كفرة، يا مشركين ، يا قردة، يا …….، يا ………يا……… استحضَرتْ أسماء عشرة انواع من الحيوانات استوحتها من حديقة الحيوان في بلتيمور والتي كانت قريبة من مكان الموقعة . كانت تصرخ وتشتم وتلوّح بيديها الإثنتين دون توقف كممسوسة. لم أرى منها شيئاً، ولا حتى العينين لأن النظارات الشمسية الداكنة لم تسعفني أن أرى جمال خليقة الله ولا بشاعة الإنسان الساقط المحتجبتان وراء تلك الظلمة. كل ما استطعت تمييزه كان ماركة النظارات الباهظة الثمن بسبب الإسم المشهور والمكتوب باللون الذهبي، ولون الأظافر الأحمر وماركة حقيبة اليد المشهورة أيضاً، ولون حذائها العالي الأحمر الذي من المفترض أن يتماشى مع لون الأظافر؛ لكن شراسة الموقف جعلت كل شيء أسود من الليل.
في البداية كنت مصدوماً لم أفهم ماذا يحصل وماذا فعلتُ وإن كانت تعرفني. بعد أول دفعة من الشتم والتي استغرقت سبعة وأربعين عاماً- عدد سني حياتي- اختفى غضبٌ في نفسي كان بدأ يتراكم، وشعرت بسلام لا يوصف وبشفقة – على إنسانة أولاً وعلى امرأة ( Une femme ) ثانياً – فإذا بي أُطْبُق الصمت وأجمِّد حركة اليدين والرأس وأجبر فمي على أن يرسم ابتسامة عريضة المنكبين – لأني معروف بعبوسة الوجه التي طالما حرمت ” طيبتي” من الظهور- والأسوأ من كل هذا أنه هاجمني روح فكاهة -التي لم تكن ساعتها – وصرت أتخيل الموقف التالي :
إمرأة متشحة بالسواد في نصف الشارع ترعد وتزبد- للحقيقة التاريخية لم أرى الزبد لكني رأيت آثاره على قطعة القماش التي تغطي وجهها- وتلوح بيديها على رجل متشح بالسواد أيضاً ذي لحية ووجه عبوس مع ابتسامة مصطنعة في نصف الشارع في مدينة بلتيمور في أمريكا، في مكان لا يبعد أكثر من خمسين متراً عن مركز البوليس والمحكمة، ماذا سيظنون إن رأونا أو سمعوها ؟؟؟؟ قلت في نفسي كن رجلاً والبس ثياب أرنب ولو لمرة في حياتك، قد يظنون أنك زوجها وقد ضربتها أو عنّفتها، عندها “سيلمّون” عليك أمة كريستوف كولومبوس وبوش الأب والإبن وروحهما السيء الذكر، وستقتحم الصحافة المكان وتصير قضيتك فضيحة بجلاجل. في عجقة تلك الأفكار، لم أكن اسمع إلا كلمتين : عُبَّاد الصليب وكفرة. ما استغربته أكثر إني لم أكن مهتماً لتلك الغارة بل رأيتني أتصارع مع أفكاري في موضوع أهم: من أين أتت كلمة غلاغل وما الأصح أن يُقال غلاغل أم جلاجل ؟ وأوشكت أن أسألها السؤال. وأيضاً ما معنى عره الكلمة وما مصدرها، هل ترتبط بالسيد “غوغل” في أصل أم قرابة؟ هل تأتي من الجلجلة أو كما يقولون من الأجراس؟المهم إني سلّيت نفسي في تلك الأفكار منتظراً تدخلاً إلهياً وإذا به قد حصل، للحظة تذكرت من عُلّق على الصليب في الجلجلة وابتسمت عميقاً

وصرت أجيبها على كل شتيمة ولعنة بكلمة آمين.
لعنة الله على عُبَّاد الصليب ، فأجيب : آمين
لعنة الله عليكم أيها المشركون، فأجيب : آمين
لعنة الله عليكم أيها الكفرة ، ( هنا تذكرت أني كمسيحي ممنوع علي أن ألعن ولو حتى أعدائي أو حتى أن أوافق على لعنة أحد، لكن من أجل إنقاذ نفس ومن أجل فكاهة الموقف ) أجبت آمين. هنا توقفت مصدومة من ابتسامتي وإجابتي وقالت، ألا تخجل يارجل؟ أنا ألعنك وأنت تجيب بآمين ؟
قلت: ومن قال لك إني من عُبَّاد الصليب ؟ قالت أراه على صدرك. قلت نعم لكني لا أعبده بل ألبسه لأتذكر من مات عليه ولكي أعلن للعالم أجمع سر الفداء وأني أنتمي إلى إلهٍ أبٍ حنونٍ، أحبني حتى الموت وبأشنع ميتة، معلّقاً على الصليب، وذلك ليجذبني مع الجميع – بمن فيهم أنت – إلى حياة أفضل، إلى حياة من فوق، من فوق يا سيدتي لن ترينها إلا إذا أزلت سواد نظاراتك وجهلك وقلبك.
يا أختي، ويا سيدتي العزيزة، إذهبي وأخبري من علّمك أن المسيحيين يعبدون الصليب أو أنهم مشركون أو كفرة أهو الجاهل وأبو جهلٍ وكما جهّلك سيجهّل أولادك ويكبر الكل في ظلمة نظارات الحياة التي ستقود إلى الظلمة البرانية مهما كانت ماركتها أو ثمنها لأن لا المال ولا الجهل يبنيان أبناءً للحياة الأبدية.
نحن يا سيدتي العزيزة، نكرّم الصليب ولا نعبده. نكرّمه لأنه يذكرنا بمن مات عليه لأجلنا. الصليب بالنسبة لنا هو راية الملكوت. كما أن لكل دولة راية ترمز إليها، وشعوب هذه الدولة ترفعها وتكرّمها وتقبّلها ، كذلك نحن أيضاً نرفع راية الملكوت وسنرفعها ونرفعها حتى المجيء الثاني حيث سيرفع الله معه كل من قبله وكل من اقتني حكمة لأن ليس للجاهل أن يفهم الله. ليس محبة إلا بالصليب، وليس معرفة لله إلا بالمحبة لأن الله محبة. سرّ الصليب هو سرّ المحبة والمحبة – يا سيدتي -لا تُعلن ولا تُدرك بالكلمات
يا سيدتي إقرئي كتابي ومن بعدها إلعنيني واشتميني، أما أنا فأقول : فليباركك الله ويسامحك. هكذا علمني إلهي حين قال :” أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم. ”
تركتُ السيدة مذهولةً من ردة فعلي وعدم مقاومتي العين بالعين، وذهبت إلى المحكمة لأشهد. مشيت ولم أشعر أن رجلي تلامسان الأرض ولا أتذكر كيف وصلت إلى الطابق المقصود، كل ما كان يجلد قلبي هو كلماتك الأخيرة يا رب :
” إغفر لهم يا أبتي لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون. ”
على صدورنا وفي أعناقنا سنرفعك، فوق كنائسنا وفوق قبورنا سنرفعك، على تيجان الملوك وخدام مجدك سنرفعك. في اضطهادنا وذبحنا وصلبنا وتقطيعنا ىسنرفعك، في أفراحنا وأتراحنا سنرفعك ونرفعك ونرفعك إلى أن نراك ظاهراً في السحاب سابقاً من صُلب عليك، والحافظ على يديه وجنبه علامة حبه وعلامة جهلنا.
” فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، ” (1 كو 1: 18)

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات